حول مقاومة قريتي عزون وكفرثلث لسرايا نابليون القادمة لاحتلال جبل نابلس
إعداد: أ.عبدالعزيز أمين عرار / باحث ومشرف ومحاضر جامعي
بعد أن شعر نابليون بفشله في حملته على مصر عام 1798 ،حيث دمر أسطوله البحري في أبي قير بمصر ،حاول تعويض خسارته باحتلال فلسطين كي يشكل قوس قزح بالوصول إلى استنبول ومنها إلى ايطاليا وفرنسا ،وهكذا كان يمني النفس بأن يعود بطلا قوميا وعالميا ويفعل ما عجز عن فعله الإسكندر المقدوني، ولكن هيهات أن تتحقق أحلامه بعد أن واجه مقاومة من شعب فلسطين ومن والي عكا ومما لا يتوقعه من بلد صغير كهذا البلد.
حضر جيش نابليون إلى العريش ومر على غزة ومنها إلى يافا التي قاومته ولكنه تغلب عليها أخيرا ونجح في اسر ثلاثة ألاف جندي والذين ارتكب بحقهم مجزرة رهيبة ،ثم تقدم جيشه في السهل الساحلي ووصل سهل سارونة ويظهر أنه أرسل الرسل إلى جبل القدس وجبل نابلس كي يسلموا ولكنهم صمموا على المقاومة خاصة بعد أن نبههم الجزار للمخاطر التي جاء بها الغزاة وطلب من مشايخ نابلس أن يسامحوه داعيا لالتفافهم حوله بعد أن هاجم عاصمتهم صانور,كما أن شيوخ جبل القدس أعربوا عن رفضهم وعهدهم على التصدي له كما نشر الأستاذ الباحث عباس نمر في عدد سابق من جريدة القدس.
أرسل أحمد الجزار قصيدة وأبيات من الشعر وفيها يثير نخوة شيوخ الجبل وقرى الكراسي وكل باسمه وخصاله لينسيهم هجومه على قلعتهم في صانور وليحرك فيهم نخوة المعتصم وقد نجحت جهوده لأن قادة الشعب وشيوخه كانوا بسطاء ولا مطمع لهم وبهم من السجايا العربية والأخلاق الإسلامية الفاضلة ما يؤهلهم للدفاع عن البلاد دون النظر لمكاسب أو انتهاز الفرص أو الوقوف عند الأحقاد.
وفي هذا السياق سنبين للقارئ شهادة أبناء الريف ومظاهر المقاومة للسرايا التي جربت احتلال جبل نابلس ومنها سرية توجهت إلى عزون وكفرثلث في محافظة قلقيلية والتي طرد أفرادها وأوقع بهم أبناء الجبل خسائر فادحة وفروا مذعورين ،ولا تقتصر معلوماتنا على الرواية الشفوية بل اعتمدنا أيضا على كتاب الجزار قاهر نابليون وكتاب إحسان النمر تاريخ جبل نابلس والبلقاء ج1 وروايات مجموعة من الأشخاص في عزون وكفر ثلث.
كتب ادوارد لوكروا عن توجه دوماس إلى واد سحيق وضيق واحتلالهم لقرية باتوا فيها ليلة ثم تناول مقاومة النوابلسة وقتل دوماس وحرق النار في الجبل،لكنه لم يبين اسم البلدات التي احتلت.
وكتب إحسان النمر في كتابه تاريخ جبل نابلس ج1 عن مقاومة النوابلسية واشتراكهم في صد الجيش الفرنسي وقتل دوماس على يد عابد مريحة شبيطة العدوان من قرية عزون وأضاف الشاعر إبراهيم طوقان شعرا:
سائل به عزون كيف تخضبت دما ببطن ذاك الوادي
أمكنني الإطلاع على كتاب النمر والذي يقع في عدة أجزاء فلم أجد ما يشير لقريتي كفرثلث في أي جزء من أجزاء الكتاب وكانت لي بدايات الاهتمام بالتأريخ منذ صباي فاتجهت إليه في نابلس وزرته وأهداني بعض كتبه واشتريت هذا الكتاب وذهلت من متحفه وشرح لي بعض همومه ومصاريفه ورجعت له مرة ثانية ومعي روايات عن كفرثلث ودونها في ملحق الكتاب الثالث ولكنها لم تشمل مقاومة كفرثلث لمجموعة من جيش نابليون.
وتواصل اهتمامي بالتاريخ و كان لي ولصديقي زياد مقبل كتابا بعنوان :القرية الفلسطينية بين المتحول والثابت،و التقيت بعدد من كبار السن في بلدي وأبرزهم محمود أسعد الخطيب والذي رويت له قصة نابليون ومقاومة عزون فروى لي أن كفرثلث كانت لها مساهمات هي الأخرى:
حدثنا الخطيب :جاء الغزاية أو الغزاة من جيش الفرنساوي ومروا عند (بلوطة أم زبن) غرب كفرثلث بعد أن احتلوا قرية حبلة الواقعة في السهل دون مقاومة وأرسل أهل قلقيلية من طرف خفي يخبرون وجهاء بلدنا والتي كان يطلق عليها خربة كفرثلث أن خطرا جاء من الغرب يتهددهم وفي هذه الأثناء عبر الفرنسيون وادي الرشا ومن واد أبو عليق شمال رأس طيرة إلى كفرثلث وعزون في شعبتين.
استعد أبناء بلدنا وراحوا يتناخون وحرضهم عساف مراعبة ومنصور غرابة وحَّشدوهم بينما استعدت للدفاع عنها جميع حمائل القرية غرابة وعودة ومراعبة وشواهنة ودار الرابي وأبو الأعرج وحمل شخص يدعى ماضي العودة بارودة باش بوزك وأطلق النار على جندي يحمل راية الجيش عند البلاطة الملسة غربي البلد فسقط قتيلا ويستحم بدمه فقالت النساء فيه:
فدعوس يا بو محرمة لواحة خسارة على رأسك يرتمي في الساحة
بينما قال شاعر لا ندري من أي بلد هو من سلفيت ولا من العباسية:
كفرثلث عساف بسيفه عسفها إما منصور راعي الشاكرية
عساف ينخى في الحمايل ومنصور صاحب الصولة القوية
وحدثني المرحوم حسن حسين أبو خالد عودة والمرحوم جدي عبدالهادي عرار ومحمد عبدالحق الشملة وتوفيق عبدالقادر أبو صفية وعبدالكريم مصطفى عودة وغيرهم أن الغزاية أو الغزاة طوقوا كفرثلث من شامى(الشمال) بعد أن فشلوا من الغرب ليلتفوا فالتقوا بشاهين الذي يقال أنه كان يتوجه إلى عزون ليزور بعض أقاربه يومذاك فالتقوا به عند مغارة المتين، ـ مكان بيت ذيب القبطان الحالي ـ وهناك قتلوه ثم عبروا إلى القرية واقتربوا من عقد ياسين وتقدمهم أحدهم وقد سمع صوت النساء اللواتي وضعن فيه ـ وأراد فتح الباب فأسقط أحدهم عليه حجرا وقتله وفي هذه الأثناء حضرت جموع من جورة عمرة والجماعينيات وردوهم إلى الشمال جهة عزون واقتربوا من عزون ومعهم الشعبة الأخرى.
وقد سميت القرية باسم بني ماضي لمقاومتهم نسبة لماضي وقيل لكرمهم وكلاهما من الطبائع الحسنة.
وعن غزوتهم لعزون حدثنا الأستاذ المتقاعد عبد الخالق سويدان في مقابلة جرت بتاريخ 29/11/2008 نقلا عن أبيه يحيى سويدان : اقتربوا من عزون من الجهة الجنوبية واستعدت البلد وقتلوا شخص من دار حسين وحضر الجيوسي زعيم كور بعد أن راقب رجاله الموقف من قرية صير وقال لهم: إذا سمعتم عزون تطلق النار تقدموا ولا تترددوا واعلموا أنها لا زالت ثابتة ووصلت جموع نابلس ومنهم زعماء الجبل وتمترس الناس في الدفاع وراقبوا أحد الضباط الفرنسيين وهو يشرب القهوة ويتناولها من جندي فرنسي وعرفوه من خوذته والسنبلة في أعلاها فقال لهم عابد مريحة شبيطة العدوان أن هذا مسؤولهم وسأرديه الآن ومن بارودة الباش بوزك صّوب نحوه وسقط مضرجا بدمه وارتبك الفرنسيون وفروا حتى أن خيولهم تخربشت في العليق وتساقطوا عنها وولعوا النار في الجبل وسمي باسم (جبل النار) وزاد فزعهم وأمر زعماء الجبل جمع الفلاحين بترك الغنائم خوفا من أن يسترد الفرنسيون عافيتهم وطحشوهم للغرب.
ويذكر إحسان النمر نقلا عن رواة من عزون وغيرها أن رؤوس الفرنسيين دحلت من كثرة ما قتل منهم ودعي المكان باسم (خلة دحلة) والواقع أن دور البطولة كان جماعيا لعزون والجيوسي في كور والصعبيات وجموع الجماعينيات ونابلس وكانت كفرثلث واحدة منها غيب دورها.
تكرر الموقف البطولي جهة قرى قاقون وزيتا طولكرم ومنعوا من الوصول للجبل وحرقت مدينة جنين بسبب موقفها المقاوم لجيش نابليون وواصل نابليون طريقه إلى عكا وهناك استبسل الجزار وبقيت جموع جبل نابلس تهاجم ظهور الفرنسيين المحاصرين لعكا في عمليات فدائية ما بين كر وفر وأخيرا نجحت عكا في هزيمة نابليون وشعر بالقهر وصدق المؤرخ الفرنسي في كتابه الجزار قاهر نابليون وفشل نابليون كما فشل لاسكندر المقدوني ومن بعده كل طامع في الأرض والإنسان ومن يتخيل أن البشرية ملك يديه.
وليست هذه سوى تبيان لسجل البطولة عند أبناء ريف جبل نابلس وتلاحم الشيوخ معهم ودورهم في الحد من غلواء الجيش الفرنسي المتجه صوب عكا،وعرقلة حركته.
صورة الوادي الذي مر منه جيش نابليون
38
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق